من أعطى لقمان ؟
كتبته : ردينه عبيد
باحثة في الآثار والانثروبولوجيا
على فراش وثير لا يشعره بعظامه ينام ويتكئ كما يريد، وتلامس بشرته ثيابا نظيفة ،وتحرك نسمات الهواء الدائرة في قبة الحجرة شعلة الضوء المتقدة في المصباح على الحائط المقابل له.
قبيل مغيب الشمس يرتاح بعد أيام طالت به، و أطالت له كانت لحظة الصفاء تلك حلما بعيدا ، لا يحذو ابدا طريقا للمنال.
ضوء الشمس المنسحب شعاع تلو الآخر من حجرته، يعطي مجالا للمصباح ، ليضيء ليلته بعد أن كان منتشرا من فتحات الحائط فوق النافذة على اشكال دوائر ومثلثات.
يتذكر أيام السفر الطويل في البحر لا تقف قدماه على أرض يابسة قط عدا تلك السفينة .
من أعطى لقمان ؟
وهو على متنها كان يخاف الليل أشد الخوف ، عندما يرمي ظلامه الدامس الحالك ، فلا يرى لون البحر الا سواد عظيم يتحد مع حلكة السماء، فيكون لا متناهي من الظلام ، وكأن تلك السماء نزعت منها النجوم او هي الأخيرة تأبى أن تظهر هناك.
من بعد البحر جاء سفر طويلا في الصحراء ، وانقلبت آيات الأرض عليه ، فكان يتمنى أن يمر على بئر ماء وفير ، يروي له عطش للنقاء وجمالية ملمسه .
وكان عذابه نهارا عندما تتكبد الشمس سماء الصحراء ، منذ أن تظهر وتتحد أشعتها مع السماء والرمال ، فيصير لونا ابيضا ضبابيا وحارا ،أيضا غير قابل للزوال فيكون السراب جليا هناك.
في السفر الطويل لا يكون هناك وفرة في صفوف الطعام ، فتكون الحبوب بين القمح والشعير سائدة لعمل الخبز وبعض أنواع من التمور والفاكهة الجافة .
بعد كل ذلك كان جسده يحتاج أياما للراحة وأنواع مختلفة من الطعام تعيد له قوته وصحته
من أعطى لقمان ؟
وفوق كل ذلك كان يجب ان يحظى بسقف اعلى راسه ومصباحا بين يديه
ومنذ عدة أيام لم يحصها كانت قدماه قد وطئت هذه الحجرة داخل سراي المسافر خانة قرب درب البيازين
تلك السراي كانت مخصصة فئتين هما التجار وعابري السبيل
يقوم التجار بدفع ضرائب عن استئجار أحد الدكاكين في السوق ، وتلك الضرائب يتم تقسيمها من الدولة لكي يتم الصرف على الوكالات والسراي الموجودة في المنطقة ، لكي يتم استضافة عابري السبيل دون دفع أي قيمة لبقائهم ، وتوفير المسكن المناسب للفترة المقيمين فيها وتوفير ملابس جديدة نظيفة وتوفير صنوف طعام ممتازة
وعلى الرغم من أن لقمان كان لديه ما يكفيه من المال للإنفاق على احتياجات سفره ، ولكن في قاهرة المعز كان كرم ضيافته كبير بحد قوة الدولة العابر من سبيلها.
وقد عرف في الأيام الماضية بعض التجار من درب البيازين ، وهم قادمين من الأندلس بعدة بضائع ومنتجات لبيعها في أسواق القاهرة لذلك سمي الدرب باسم قرية البيازين الأشهر في غرناطة .
وهي قريته القديمة التي تركها منذ أعوام كثيرة ، للتوجه في رحلة طويلة يمر بها على بلاد الإسلام ، ويتخذ من رحلته عملا وعلما
هؤلاء التجار الذين صادقهم علم انهم اعطوه فرصه لكي يتخلص من كل أعباء سفره في البحر او الصحراء .
من أعطى لقمان ؟ ، كان لقمان ممتنا لما سمع وعرف وبقى الأيام التالية ، في زهو ، لما أعطاه الله من راحة ومسكن وملبس وطعام دافئ ، يتم تحضيره بعناية شديدة في مطبخ السراي ، لأن شهر رمضان بكرمه وعزته على الجميع يعطي فيه الله كما يشاء ويسبب عباده لكي يعطوا بعلمه وإذنه لمن ذكر عليهم في اللوح المحفوظ وهم عابري السبيل .
وتلك البلد العامر ، مصر التي استضافته خير ضيافة ، وطبقت العدل ، كانت له عونا كبيرا وراحة فغدت القاهرة في قلبه حبيبة الأرض و السماء العلا .
استفاق على دقات الباب الخشبي للحجرة أحدهم يبلغوه بموعد الإفطار والقدوم لمائدة كبيرة مرحبين به
أنزل الله الدين للتشريع وخلق العباد للتنفيذ فيكون العطاء واسع من عند الولي العليم
تمت