أسباب فساد القلوب
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 5 مايو 2024
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها النجاة يوم نلقاه، يوم يبعثر ما في القبور ويحصّل ما في الصدور، وأَشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد، إن من تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض سببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله، وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدو، وغير ذلك سببه مخالفة الله ورسوله، والدعوة إلى غير الله ورسوله، وإن من أنواع الفساد هو الفساد المالي كانتشار السرقة والاختلاس والرشوة، والتربح من الوظيفة، واستغلال الجاه والسلطان والربا، والقمار ومنع الزكاة، وصور خيانة الأمانة في المعاملات المالية والإنفاق في الحرام.
فقد يملك الإنسان ويفسده بإنفاقه في الحرام والمهلكات والمخدرات والمسكرات فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها، فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها، حيّا وميّتا، ولعقبه ” رواه مسلم، والعمرى يقال أعمرتك هذه الدار، مثلا، أو جعلتها لك عمرك أو حياتك، أو ما عشت، فيلزمه الحفاظ عليها ولعقبه بعده، ومنها تتبع العورات، فعن معاوية رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم ” رواه أبو داود وابن حبان، ومنها فساد القلوب فالقلوب مملوءة بالحقد والحسد والضغينة والبغضاء وهذا بلا شك يؤدي إلى فساد الجسد كله، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.
“الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب” رواه البخارى ومسلم، ومن رحمة الله بنا أن أخفى علينا أمراض القلوب، فلو أن القلوب انكشفت ورأى كل إنسان ما يضمره الآخر له من حقد وعداوة وأمراض، ما دفن أحد أحدا، وقد جاء في الأثر ” لو تكاشفتم ما تدافنتم” ومن الفساد أيضا هو الفساد الإداري وذلك بتقديم ذوي الحسب أو الثقة أو صاحب المصلحة على الكفاءات في شتى مجالات المجتمع وهذا بلا شك يؤدي إلى فساد القوم وقد سُئل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ما يفسد أمر القوم يا أمير المؤمنين ؟ قال “ثلاثة، وضع الصغير مكان الكبير، وضع الجاهل مكان العالم، وضع التابع في القيادة” وإن علاج ظاهرة الفساد والقضاء على هذه الظاهرة وسبل مواجهتها ينحصر في ثلاثة أمور رئيسية، وهى التوجيه والإرشاد بخطر الفساد وعاقبة المفسدين، وذلك بكثرة التوعية والندوات، عن طريق الدعاة والإعلام المرئي والمسموع والمقروء ومراكز الشباب والأمسيات الدينية والخطب والدروس، والمحاضرات وشبكة المعلومات الدولية، وجميع وسائل الاتصال الحديثة، بهدف توضيح مخاطر الفساد على المستوى الثقافي والديني والاجتماعي والاقتصادي مع بيان أن جريمة الفساد إنما هي مخالفة صريحة للأوامر الإلهية ولما جاء بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وبيان أن ذلك دليل على ضعف الوازع الدينى لدى الفاسد والمفسد، ولهذا فإن الإسلام يعمل على تنمية وتقوية الوازع الدينى لدى كل أفراد المجتمع حتى يكون الوازع الدينى هو الذى يمنع المرء من ممارسة الفساد وارتكاب جرائمه، وكذلك تربية النشء على المبادئ الإسلامية لأن الأبوين هما المسئولان عنهم، وبين ذلك الرسول في قوله ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ” وكذلك فرض عقوبات رادعة للمفسدين وليكن الهدف من العقاب هو ردع كل مَن تسول له نفسه أن يفسد أو يقدم على أي نوع من أنواع الفساد بكل صوره، وليس الهدف التشفي أو الانتقام من المفسد، لذلك عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، على تأصيل هذه المعاني في نفوس الصحابة، وكذلك رعاية الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية.