راحل في زوايا السنين
بقلم/ وفاء ابو السعود
في ليلة مقمرة، سمع دقات طبول صارخة، تُزلزل ارجاء المكان وتُزلزل معها قلوب الحاضرين والسامعين من علو صوتها وضخامته،
فتساءل ما هذه الصرخات والاصوات التي تعلو هذا المكان، هرول إلى حيث تعلو تلك الأصوات.
اخذ يخطو حتي استطاع ان يُحدد اتجاهاتها.
واقترب من المكان، ولكنه لم يستطيع ان يفتح عينيه من ضباب الدخان الذي يملا المكان، ونور الليزر الذي يتراقص يمينا ويسارا وفي كل الاتجاهات.
نظر من بعيد، وجد قاعة ضخمة البنيان متسعة الأركان، تتزين بالورود في كل مكان، تُزين اسقفها ثراي ضخمه في حضور جمع كبير من الناس،
ينقسمون الي قسمين، وفي الوسط ساحه يتجمع فيها الفتيات والشبان، وكل منهم منهمك بسماع الأغاني الصاخبة ويقومون بترديدها، وسط رقصات جنونية.
فنظر لنفسه نظرة خاطفه، وجد ثيابه الرثة يكسوها التراب، من شيب شعره وحتى قدمية.
ظل لحظات في حيرة من امرة ايدخل هذا المكان؟ أم يتراجع وينصرف حيث جاء، ولكن شيئا ما دعاه للدخول.
ولكنه استجمع شتاته، وقرر الدخول واخذ ينفض التراب، نظر في وجوه الحاضرين، وجد أُناس تقفز الفرحة من قلوبهم الي وجوههم، واعينهم ترسم بها ابتسامات صادقه بأهدابها.
ابتسامات تختال وتُزين وتعلو جباههم وترسم السعادة علي وشوشهم، ونظر لأخرين وجد وجوه تعلوها ابتسامات زائفه، تخفي وراها حقد دفين، ولكنه يظهر في قسماتهم.
راحل في زوايا السنين
تعرف على أهل بيته
نظر للشباب وجدهم يلهون اشد اللهو، ويستمعون لأغاني لا يستطيع هو ان يحدد كلماتها، وكل منهم يحفظها عن ظهر قلب.
ووجد الفتيات كل منهما ترتدي افخم الثياب، وتقف في خُيلاء، كل منهم قد رسمت لنفسها لوحة فنيه في أحلي وأبها صورها، وكأنهم يتبارون، من أيهم تكون أفضل من الأخرى.
وبدا يدفق النظر، وجد علي مرمى البصر، سيده تجلس بعيدا، تلبس ثيابا سوداء، يحمل وجهها علامات الفرح، وتمتلئ عيونها بالدموع، وهناك حزن دفين يسكن قلبها.
في عينها تتجمع دموع الفرح والحزن الصادقة، سارع إليها، وقلبه يكاد يقفز من ضلوعه من الشوق والحنين لها.
ها هي زوجتي وشريكة حياتي وأم أولادي، أقترب منها مترقبا لرد فعلها حينما تراه، وقف أمامها، ينتظر أن ترتمي بين أحضانه،
ولكنها لم تفعل، تساءل حائرا لماذا يتجمع إذن الفرح والحزن في نفسها؟
قاده إحساسه نحو الشباب ونظر لهذا الجمع، نظر مليا ليجد أن من يحمله الشباب فوق أكتافهم هو ابنه الأكبر، تهلل وجهه فرحاً وارتعد قلبه لرؤيته.
فكم كان مشتاق لهذا اللقاء، أخذ يقترب منه شيئا فشيء، يود أن يحتضنه، وسط هذا الجمع، ولكن ابنه لم يعيره أي اهتمام.
راحل في زوايا السنين
ذكريات الماضي
توقف في ذهول متسائلا، لماذا تُنكرني زوجتي؟ ولماذا يتجاهلني ولدي؟ جلس علي اقرب كرسي ليستجمع قواه،
نعم انه حفل زفاف ابني.
فكم عشت عمرا كاملا انتظارا لهذا اليوم، وكم تمنيت ان البسه بيدي بدلة عرسه، و ان أكون اول الحاضرين بجانبه.
ونظر حولة في حيرة يتذكر ولده في طفولته حينما كان رضيعاً ،يتذكر أول مره ذهب به الي المدرسة، يتذكر وقت اللعب وبراءة الطفولة،
وكيف كان حزنة في أوقات مرضه، يتذكر حينما حرم نفسه من متاع الدنيا ليوفر له كل احتياجاته.
حينما قضاها سنوات عجاف ليؤمن له ولأخوته مستقبله، وتحمل ألم مرضه وهو في الغربة وحيدا، ليعيش أولاده في رغد وسخاء.
تذكر حينما كان يتحمل ضغوط العمل، ويقضيها ليالي ساهرا بين طرقات الدول، حينما كان يتخذ من الطريق جانبا ليغفو بعض الدقائق.
حينما يغلبه النعاس ولا يقوي جسده علي تحمل المزيد من المشقة، حتى يستطيع تكملة مسيرته في العمل.
واذا بالمغني ينادي علي والد العريس ويهديه الأغنية التأليه.
جلس ينظر حوله انا أبو العريس، وينتظر ان يناديه ابنه او زوجته ولكن أي منهم لم يفعل ذلك، أراد هو ان يتحدث ويقول انا والد العريس، ولكنة لم يستطيع الرد علي هذا الذي يناديه.
حديث مع النفس
شرد بذهنه في حيرة وتساؤلات ليس لها عدد، ولكنه لم يجد لتساؤلاته أي اجابه، واذا بالمغني ينادي عليه للمرة الثانية اين والد العريس؟؟ فلم يرد احد ولا يستطيع هو كذلك الرد.
اكمل المغني وصلات غناءه في فرحه ومتابعه ودندنه من الحاضرين.
وبعد قليل ذهب العريس والعروس خارج القاعة، ليجد اشهي وافخم المأكولات يتم نثرها علي كافه الطاولات في بذخ منقطع النظير.
ووجد احد اهم اعدائه يجلس علي احدى الطاولات يلتهم المأكولات، تساءل في حزن كيف لأولادي ان يدعوا هذا الذي عاداني دهرا كاملا،
اليس كان من الاجدر لو تجاهلوه اجبارا لخاطري؟
شرد بذهنه مره اخري، متذكرا، حينما كان يشعر بالمرض، ويضن علي نفسه بالذهاب الي الطبيب، او ان يشتري الدواء ليوفر كل ما لديه من نقود، ويرسل له مصروفات الجامعة.
وحينما كان يجري فيها بكل قوته مصارعا لتلك الحياة ومن فيها ليذهب بهم الي اعلي المستويات المعيشية.
فصده ما راي وتمني لو لم يرى.
ومرت ثواني علي قلبه ولكنها بثقل الجبال، كيف لأولادي ان يتناسوا وجودي، وانا لم اغادرهم الا منذ أربعة اشهر فقط؟
أهان عليهم فراقي لهذا الحد؟ وكيف تحولت الحياة من بعدي، وكيف اصبح العدو صديق، وكيف هان عليهم شقي عمري ولماذا كل هذا السفه والتبزير؟؟
لقد كنت أهون الناس عليهم، بعد سنوات طوال أمضيتها في قهر و تعب ومشقه، لأوفر لهم كل أساليب الحياة والرفاهية ورغد العيش.
اه لو كنت أعلم بأنهم قد تجاوزوا وجودي بينهم بهذه السرعة وتناسوا؟ ما قضيتها في تعب وشقاء.
فوقف مطأطأ راسه وجبهته تتصب عرقاً، وصوته يرتعد ناظرا لسنوات عمره التي قضاها،،
أياما وليالي طوال وعمرا مديدا قضاها يزرع ويروي ليحصد غيرة، متحدثا مع نفسه.
فكم ارهقتني الدنيا تعباً وعناء وكم ارهقتها صمودا وتحدي ضاقت نفسه
راحل في زوايا السنين
فتولي عنهم واستدار عازفا عما راه، وقرر الرحيل بغير عودة،
عاد من حيث اتي بقلب مكلوم وروح متعبه مما راي، وراح يرقد قانعا بمكانه ومكانته،
معرضا عن تلك الدنيا التي كشفت عن وجهها القبيح له وراحت تتلألأ في عيون وقلوب الاخرين.
فهدأت نفسه وارتاحت روحه لدي خالقها.
لمزيد من القراءة اضغط على الرابط هنا
فقه إدارة الأزمات - مقال وفاء أبو السعود - جريدة كنوز عربية اي.جي
18th أبريل 2024[…] فقه إدارة الأزمات – مقال وفاء أبو السعود […]