جريدة كنوز عربية اي.جي

#خواطر أدبية

محروس عامر يكتب “عيناك والادراك”

محروس عامر يكتب “عيناك والادراك”

بقلم/ محروس عامر

أني احببتكِ وتعلمين، واشتاق اليكِ وتشتاقين. لمْ يعد يجدي التملص من حبك او نكرانه بعدما صار يرتسم على ملامحي ويتجول داخل دمي كريات وردية أو كذرات الأكسجين المسافرة من صدري الى شراييني حتى تستقر داخل الخلايا تحترق هناك وتمتزج كحبكِ مع مكوناتي. أدركُ ان حبكِ حقيقةً اعترفُ بها، واقرُ بان كيانك توغل في اعماقي. فإدراك الحقيقة لا يصل اليها الكثيرون.

وتابع الكاتب تحت عنوان: “محروس عامر يكتب “عيناك والادراك”.. أغلبنا يدرك وجود الاشياء وقليل من يدركُ ماهيتها ويندر ان تجد من يدرك حقيقة الاشياء ومن يخوض غمار العلة والمعلول كما خضتها وتنقلت بين الحدث والحادث صعودا ونزولا فتلك رحلة وقودها العقل وبوصَلتها العشق المترفع عن طلبات الحس.

لم يساورني في الماضي شيءً من ارهاصات حبك ولِمَا احبكِ؟ ولم أكن قد رأيت عينيك بعد! وعندما اشرقت عيناكِ وأطلتْ من شرفتي ذات المزهرية القديمة واومأتْ لي من خلف نافذة الطائرة، لم تتراءى لي أطياف الحب ولم ينتابني شيء من اعراضه… وفجأة استيقظتُ فاذ بأسوار الوهم تتهاوى أمامي بعدما كانت محيطة بقلبي وايقنت حينها ان حبكِ غُرِسَ في اعماق قلبي من قبل ان تركِ العين بل ربما قبل ان ترى العين النور! أدركتُ أن الحقيقة تنجلي أمامي وأن قدرتي على فهم الأشياء من حولي تتعدي حدود الأشكال والوظائف الي ما وراء ذلك وأدركت أن حبكِ هو ذاك الحب المقترن بالروح والموصول بحبل الابدية الممتد من قبل الخلق لبعد الموت.

بدأت هنا “مثلكم تماما” أتساءل لما لم أدرك حبها من قبل؟ ولما لم أدرك ان ماهيتي مقترنة بماهيتها؟! لما لم أبصر الابعاد الأخرى فيما حولي ولما لم أشعر باتحادنا معا وبأن ذلك الاتحاد والتوحد لا يعتمد على ادراكنا له لأنه حقيقة مجردة لا يرتبط وجوده بإدراكنا له أو تغافلنا عنه. ولما أمعنت النظر في أمري تبينتُ أن حبها جعلني اتيقن ان إدراك حقيقة الاشياء مرحلة عليا من الوعي، مرحلة يلزم لها كثيرا من الحب حتى تتكشف امامنا الحقائق ونرى ما خلف الصورة من معنى.

أصدقائي، تعلمون ان إدراك الذات ينفرد بها الانسان من بين المخلوقات فلا يدرك الحمار كيانه وماهيته فهو فقط يعيش حياته متنقلا بين اطوار متطلباته البيولوجية من اكل وشرب وحركة وسكون ولا يدرك ابدا كونه حمارا ولم يحدد منزلته في تطور الحيوان وفقا لنظرين التطور لداروين او درجته في السلسة الغذائية ومدى استفادته من المخلوقات التي دونه وما يمثل بالنسبة للمخلوقات التي أعلى منه مرتبه. بينما يدرك الانسان ذلك بقليل من الوعي فقد أنشأه الله مدركا لذاته، مدركا لكونه انسان، يحمل قلبا وعقلا وان لديه قدرة كبيرة على ايجاد العلة لتغيير طبيعة الاشياء لضبط ملاءمتها لوظيفة جديدة يبتغيها. فيحقق استقامة الأشياء في أداء الوظائف التي تخدم مشيئته بما في ذلك التسبب في الاخلال في اتساق الأشياء التي عجز عن استيعاب ترابطها وهذا هو المحرك لتطور الحياة البشرية وبناء الحضارة وهذا مجال لا يتسع المقام للخوض فيه.

أما ذلك الحمار الذي لا يدرك ماهيته، لو تصورنا انه أدرك ما لا يدرك ووعي ماهيته وصنّف درجات الحيوانات في الحظيرة وفهم ان لكل منهم دوره وعلة لوجوده فسيدرك حينها تميزه عنما حوله وسيؤول به الحال الي الطرد خارج الحظيرة لأنه ببساطة لم يعد حمارا ولم يعد انتمائه الي الحظيرة يتماشى مع مستوى ادراكه.

أعلم أنك تتذكر الأن وانت تقرأ كلماتي كم مر بك من الحمير الغارقين في ممارسة مهاراتهم الحيوانية على من تطاله ايديهم وارجلهم واعينهم؟ تتخيلهم امامك وهم منتفخون غرورا وأنت تتعجب من أمرهم وكيف يمارسون الطقوس الحيوانية من اشباع لرغباتهم ودوافعهم النفسية والبيولوجية بدون التفكر في الكيفية او أثر ذلك على من حولهم بكل التبجح بل والزهو في أحيان كثيرة. لم تدرك حينها انهم ثلة من محدودي الوعي وانه لم يدركوا ماهيتهم الحمارية رغم ان كل من حولهم يهتفون ويهمهمون بحماريتهم ولكن هنالك غشاوة على ابصارهم تحجب عنهم الحقيقة وتصم اذانهم عن سماع من حولهم. بعض هؤلاء قد يستفيق ويدرك حوانيته فيصيبه الندم والخجل من افعاله وما سولت له نفسه فيموت كمدا والبعض منهم نعلمهم جيدا يقضون ما تبقى لهم محاولين اصلاح ما افسدته يدهم وهم غافلون.

اعترف أنى كنت مثل هؤلاء قبلما استيقظ واكتشف ان للإدراك درجات، ان تدرك كونك انسان ولست فراشة او حيوان وان تدرك أنك لست مجرد حصان يحلم انه انسان ولما يستفيق ليرجع لكونه حصان مرة اخرى. فهذه الدرجة الاولي من الادراك.

اما الدرجة الثانية فإدراكك لوجود الاشياء من حولك وعلة وجودها وما ستؤول اليه بمرور الزمن واستجابتها للمؤثرات من حرارة وضغط وغيرها.  وأما الدرجة الثالثة فهي اداركك لماهيتك أنت وعلة وجودك ورسالتك في الحياة وما يتوجب عليك فعله لتحقيق الغاية من الحياة في فسحة من الزمن الغير معلومة لك، وهذه معضلة أخرى ان تحقق غايةً في زمن غير معلوم لك ولا تدري متي سينادي المراقب بصوته الذي لا يقبل المناقشة ولا ينفع معه استجداء ان تترك قلمك وتسلم أوراق الإجابة وبها ما صنعت في تلك الفسحة التي قضيتها.

وبعد مراحل الادراك تلك يتوقف العقل عن مواصلة صعود سلم الوعي، يتوقف منتظر عونا من القلب، ذلك الانتظار الذي يتوقف عنده الكون عن الحركة وكأنه الموت. إني كنت هنالك متجمدا عاجزا عن الحركة وطال مكوثي لسنوات الى ان بزغ نور القمر من عينيك فأضاء ظلمة قلبي وتلألأت بنوره سماء الليل فأزالت عتمته. علمتُ حينها أن الصعود لمرحلة إدراك ماهية الاشياء وعلة وجودها وكيف تتسق كل المخلوقات في منظومة تكاملية قد يؤدي فيها تحرك جناح فراشة في البرازيل الي تكوين اعصار يضرب سواحل الصين مرحلة لا يقوى على الخوض فيها وفك شفرتها الا عقل يضيء طريقه قلب عارف بالحب وتلك مرحلة الادراك الرابعة. ان بريق الحب من عينيها أكمل منظومة الادراك لدي وجعلني انتقل الي مراحل الادراك العليا حيث انه ضخ في القلب نور الحب الذي جعل الحقائق تتجلي وتتكشف.

وتتواصل مراحل الادراك صعودا تبعا لقوة الحب العامر في القلب واندماجه في خلجاته واستقراره به الي ان ندرك حقيقة الاشياء التي تؤدي بنا الي إدراك الحق الاعظم الذي هو الحق الاوحد والوجود الأول الذي ترجع اليه كل الحقائق.

أنى أدركت الحقيقة كلها يوم أدركتُ حبكِ ونمى الوعي عندي بفنائي فيك وبتوحدك معي فمعا يكتمل فينا الانسان الاعظم الذي يدرك نفسه ويدرك الكون ويدرك وجود الله وأن كل الأشياء من تجلياته وقبس من نوره. فحبك لي الوعي والحقيقة وبحبك أدركت ماهيتي وماهيتك واوصلني للإيمان.

تنيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية على الجريدة
محروس عامر يكتب “عيناك والادراك”

عيناكِ والمرآة بقلم محروس عامر

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *