عيناك والبحر.. خاطرة قصصية رومانسية بقلم محروس عامر
بقلم الكاتب/ محروس عامر
اجلس على شاطئ البحر اراقب امواجه وهي تتراقص فرحا مداعبة نسمات الهواء في فصل الربيع واتخيل عينيك ترتسم امامي في صفحة الماء المتلألئة تحت اشعة الشمس الذهبية وقت الشروق. مثلما كانت تبدو أمامي بين العيون وحيث كانت عيناك وحدهما قادرتان على ان تجذبا كل انتباهي، وأغوص داخلهما أعمق وأعمق وأشعر بجفنيك تتقاربان وكأنما تغلقان المخرج كي أظل سابحا في بحورهما هائما في فضاءاتهما الشاسعة اتأمل ابعاد الكون متحررا من حدود الممكن ومتعديا لنهايات المتاح.
وجاء في “عيناك والبحر.. خاطرة قصصية رومانسية بقلم محروس عامر”، الأن أيقنتُ أن البعد والاقتراب يكملان بعضهما البعض فالكون كله مبنياً على الثنائيات المتناقضة التي تُنتج اتزانه ومعبرا عن جماله واتقانه في تماثله من دوران الالكترونات حول النواة الى دوران النجوم في المجرة. ان ثنائية الخير والشر وثنائيات الطاقة الكامنة والطاقة السوداء والمادة والمادة المضادة والوجود والعدم كلها نقائض شكلت للوجود صورته التي نعرفها وتوازنه بين الاتساع والتمدد المتواصل وبين قوي الجاذبية التي تكوّن الثقب الأسود.
الثقب الأسود، نعم عيناكِ تمثلان لي ثقبا اسودا يجذبني مهما ابتعدتُ عنه، وأنا لا أحاول المقاومة، بل أسرع اليه كي ادور في جاذبيته فينقلني الى عالم أخر تسكنه الملائكة بأجنحتها البيضاء وتملؤه ورود بكل الألوان وشذا الياسمين والريحان وأنهار فراتُ، هنالك في البعد الآخر تشعر بعد رحلة سفر مضنيه أنك وصلتَ أخيرا الى المستقر، الى المكان الذي تنتمي اليه خلاياك وذراتك ومنتهي كل احلامك. فأنا وانت ثنائيان من ثنائيات الكون مثل الطاقة الكهربية والطاقة المغناطسية اللتان تتعامدان وتسيران في اتجاه واحد ويستلزم وجود أي منهما وجود الآخر.
يتناثر على وجهي بعض من رذاذ الماء، فترتسم على وجهي ابتسامة غابت عنه منذ سنوات، فلقد كان وعدنا الا نفترق وكنا اتفقنا ان يكون بيننا وصالا لا ينقطع وسعادة لا تنتهي وحب لا يضعفه دهر ولا يفٌت منه همسات الصبايا في سهراتهم الليلية على أضواء المصابيح الخافتة، أني أوفيت لعهدنا دون مذلة ولا تنازل فوفائي لعينيكِ جزء من ذاتي ونبضة من نبضات قلبي الذي ما انفك ينبض بحبك. ولم يزل لم يفارقني دفء صدرك ورائحة عطرك ها هي قاطنة على كتف القميص.
أردتك دائما وما زلتُ اريدك روحا تلجأ اليها روحي وفضاء تسبح فيه مخيلتي وجمال تستأنس فيه نفسي، فانتِ في عيني امرأة جمعت في ثناياها كل الكون. اريدك عاشقتي التي امارس معها العزف واداعب أوتارها متنقلا بين النغمات الغليظة والنغمات الرفيعة وبين الأصوات العالية والمنخفضة وأدق على طبولك ايقاعات بطيئة حالمة أتبعها بإيقاعات سريعة صاخبة، فعشيقتي هي لوحة الرسم التي ارسم عليها أجمل لوحاتي التعبيرية وهي الحروف التي أكوّن منها أجمل قصائدي الرومانسية وهي قيثارتي التي اعزف عليها أروع مقطوعاتي الموسيقية.
أحيانا اراك الحلم الذي تهفو روحي اليه وأحيانا اريدك الحقيقة التي امارسها كل يوم. انتِ، حبيبتي، معصيتي التي أصر على ان ارتكبها وادعو الله الا يغفرها لي، وانتِ ايماني وهدايتي وابتهالاتي التي احافظ عليها. فبين الحقيقة والخيال اجدك انت وبين الذنب والمغفرة اريدك أيضا. فأنا يتجسد داخلي كما يتجسد داخل كل واحد فينا الكون وانا بكل متضاداتي احبكِ واعشق كل ثنائياتك. اعشقكِ حين يستسلم خصرك تحت يدي وحين تشتاق شفتاك لشفتيَّ، وأحبك حين تتأجج نيران الغيرة في قلبكِ وحينما تمارسين عنادك المفضل وتبتعدين، انتظرك واراك متسللة تقتربين مخفية في حيائك شوقك لمأواك داخل صدري.
يتعالى ارتفاع الموج في البحر، يزداد صخبه وتتصارع الأمواج داخله، تتلاطم وكأنها في صراع وجودي تٌفني كل موجة نفسها في الموجة التالية في قفزات انتحارية، وتتسارع آخر امواجه نحو الشاطئ، ترتفع لأعلى وتهبط كقذيفة فوق الصخور، وكأنما تقتص منه لأنه وضع حدا لحريتها وقيد احلامها. تتحمل الصخرة لطمات الموج في صبر مريب، الاحظ بعضا من حبات الرمل التي تنفصل منها، أراها تتراقص، تستشعر حريتها تجري مسرعة الى أحضان البحر تاركة الشاطئ والصخرة خلفها متحدةً مع من تحب.
أن حبيبها البحر، الهادئ الحنون والصاخب العنيف كعينيك. فعيناك بحر بكل ثنائياته وكل تناقضاته وأنا ازداد كل يوم شوقا اليك وبعدا عنك.