جريدة كنوز عربية اي.جي

#خواطر أدبية

عيناكِ والمرآة بقلم محروس عامر

عيناكِ والمرآة بقلم محروس عامر

بقلم د/ محروس عامر

مرة اخرى أجدني تائِها في عينيكِ سابحا بلا إرادة، مستمتعا بلا نفور ولا تذمر ولا متعجل الوصول الي مرفأ، ربما افتقد هذه السباحة منذ التقينا آخر مرة!

وتابع الكاتب تحت عنوان: “عيناكِ والمرآة بقلم محروس عامر“.. حبيبتي، تتحير افكاري عندما انظر لنفسي في المرآة وأرى صورتي التي تعشقينها، ويراودني السؤال هل تعشق حبيبتي هذا الشعر الابيض؟ وهذا الوجه المتعب؟ ام تلك الخطوط التي رسمتها الايام على جبهتي؟! ام تلك الهالة الداكِنة أسفل عينيّ؟

اني مثلكم جميعا، اتأمل وجهي في المرآة كل فترة لأتلمس اثر الفترة الماضية، من توغل الشيب في شعرى أحيانا، ومن تباعد خصلات الشعر في رأسي أحيانا أخرى وكأنما تزداد الفرقة بينهم، والاحظ ان خطوط جبيني الثلاثة الرأسية والخطين الافقيين يزداد عمقهما أكثر، فقديما لم تكن تلك الخطوط تظهر الا بسحب جبهتي لأعلي او عندما كنت اقارب بين حاجبي.. نعم هكذا مثلما تفعل اناجدني الان، أما الآن فأصبح ظهورهما لا يتطلب عناءً اضافيا فهي دائمة الظهور. هكذا تترك الأيام -وما حَملتهُ من قلق وتوتر- آثارها نقشا ورسما على وجوهنا وعلى قلوبنا.

تواجهني مرآتي بحقيقتي التي اتجاهلها كثيرا، إني لست ذلك الشاب المتفجر حيوية ورجولة، بل النقيض تماما فأنا رجل كبير غطي الشيب راسه بهالة بيضاء وأبى الكرش الا ان يبرز رغم محاولاتي العديدة اخفائه يبدو لي انه مثل سيجارتي فكلاهما يأبيان ان نفترق او لعلهما الصديقان اللذان قررا ملازمتي.

تلك الصورة في مرآتي ترتسم الأن في مخيلتي وانت معي تحاول عيناي ان تحيط بحدود ملامحك كي ارسم لك صورة. ما أجمل نور الفجر المشرق من جبينك بُعيد نهايات خصلات شعرك الليلي الهادئ، وما اطيب ثمرتا التفاح المستلقيتان على خديك، اما شفتاك فدائما ما يتعثر قلمي حين احاول وصفهما، تضيع كلماتي بين جمالهما الفاتن وبين انسياب الكلمات بينهما وبين لذة شهدهما وبين اللهيب القاطن فيهما… شفتاك تجتمع فيهما كل لغات الكون المنطوقة والمرسومة والمحسوسة وكل ملذات الدنيا وكل لهيب الحب المستعر شوقا في قلوب العذارى. يجب الا يتعثر قلمي هذه المرة فلنؤجل الحديث عن شفتيك الي وقت آخر.

دعوني اعود لتلك العينين اللاتي اتعجب من عشقهما لذلك الوجه القاطن في المرآة وذلك الجسد العشوائي المليء بأطلال القصور وبقايا الغابات، اما انت حين ارسم قوامك واتخيلك كما انت بلا اية رتوش ولا إضافات، مستلقية في زاوية. ارسمك قوس قزح يلف الافق ويلون وجه السماء، أشمك نسمة حنون تداعب شعر الصبايا وتنشر عطر الرياحين والياسمين في فصل الربيع.

تقفز فكرة في راسي الآن، لعلها تراني من خلال ثقافاتي المتعددة ومعارفي الواسعة التي عكفت اجمعها وأفككها ثم اعيد تركيبها وتفتيتها ثم دمجها لأوجد ما يربط وحدة العالم لابن عربي وميكانيكا الكم فكلاهما اثبتا ان العالم غير حقيقي وان الكون المنظور ما هو الا انعكاسات لطيف الطاقة الصادرة من الكون الحقيقي والموجود الأوحد الذي هو نور السماوات والأرض. أو بما يوافق ويعارض السهروردي الرئيس ابن سينا، وكيف تهافت أبو حامد الغزالي فوصل الي تهافت الفلاسفة. أو عندما أنكر ابن تيمية قِدَم الكون بإثبات القِدَم له عبر تسلسل الحوادث.

ولكنني عندما أكون معها، لا أتذكر ما حفظت من العلوم ولا أتذكر سنوات العمر التي مررت بها بل أكون طفل يستقي منها الحنان ويتعلم الحبو في رحاب سهولها وعلى مرتفعات هضابها واتعلم فنون الغوص في عيونها.

تزداد حيرتي وتتشتت افكاري أكثر فأكثر، فلماذا تحبني؟!

فإذ بصوت عذب يهمس لي:

“هون علي نفسِكَ حبيبي، فإنني عندما انظر اليكَ لا أرى ما تُبده لك مرآتُكَ وانما أجدكَ جذرا يثبتني في الأرض واستقي منه الحياة، فإني خلقتُ منك وتنساب حياتي من بين يديكَ، إني أجد فيكَ الشمس التي سبق وجودها وجود الضوء، ان وجدك معي، بل وجودك في مخيلتي يمنحني نورا يحيط بي ويكوّن شرنقة تحفظني فألجأ اليها وأحتمي بها. اترك مرآتك حبيبي، وها هي عيناي لتبصر صورتك الحقيقية، فماهيتكَ سَبقت وجودكَ وشمسكَ سبقتْ ضوئكَ وروحكَ سبقت كونكَ. أنظر الي عينيّ ودعني أرى فيك ما تخفي مرآتك”

تنيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية على الجريدة

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *