دراسة نقدية لكتاب “سِفر الحب” بقلم عوض الغبارى
دراسة نقدية لكتاب سِفر الحب (نصوص سردية) للدكتور/ محروس عامر
بقلم الدكتور/ عوض الغبارى
أستاذ الأدب العربي – قسم اللغة العربية – كلية الأداب جامعة القاهرة ورئيس سابق لقسم اللغة العربية
للدكتور/ محروس عامر حضوره الثقافى والأدبى من خلال فعاليات صالونه ونشره لكتب وجريدة تحمل أمانة الكلمة فى قضايا الوطن، ودنيا الأدب والفكر والثقافة. كذلك يتميز “محروس عامر” بثقافة واسعة فى الأدب والفلسفة وعلم النفس، خاصة، ومشاركاته بالمقالات العديدة، وما أصدره مطبوعا مثل “خواطر قصصية”. وقد صدر له كتاب جديد بعنوان: سفر الحب (نصوص سردية) وعنوانه يحيل إلى “سفر التكوين” مشيرا إلى موضوعه فى التعبير عن الحب عاطفة إنسانية راقية لها قداستها. وبين دفتى الكتاب يكمن معنى الحب وفلسفته واستبطان تجاربه واستطلاع الحكمة من خلاله.
أما دفتا الكتاب فإهداؤه “إلى كل أصحاب الأقلام الصادقة”، وغلافه الخلفى الذى يصِّور فلسفته ورؤاه فى الحب ظاهرة إنسانية. ويعد ذلك مدخلا لقراءة هذا الكتاب الممتع.
فالصدق سمة أصيلة في التعبير عن الحب، وأثره في إبداع هذا الكتاب.
والغلاف الخلفى استخلاص لرؤية الكاتب الأديب في موضوع كتابه.
و”محروس عامر” موفق في تسمية نوع كتابه نصوصا سردية، جامعا في ذلك بين أدبية الكتاب في فنه النثرى، وبين طابعه القصصى، بل والشعرى، لأن أسلوبه عامر برومانسية المشاعر، وشاعرية الخيال. يتضح هذا في مطلع السفر الأول، والكتاب ثلاثة عشر سفرا، حيث يقول: “مرة أخرى أجدنى تائها في عينيك سابحا بلا إرادة مستمتعا بلا نفور ولا تذمر، ولا متعجل الوصول إلى مرفأ، ربما أفتقد هذه السباحة منذ التقينا آخر مرة”. وكاتبنا واع بآليات عمله الفنى، يتمثل ذلك في جودة اختياره لعناوين أسفاره، مثل عنوان السفر الأول (مرآتى) الذى يجعل الحب مرآة النفس”.
كذلك “يخطِّط” “محروس عامر” لكتابته جامعا بين عمق الفكرة، وطلاقة التعبير. وتتسم أسفار الكتاب بالتساؤلات التى يثيرها الحب، وهل يكون لمن وخط الشيب رأسه؟ ويستبطن “محروس عامر” ذاته، وما يفعله الزمن في الإنسان “من قلق وتوتر نقشا على الوجوه والقلوب”. وعتبة “المرآة” كشف للحقيقة التى تعترى الإنسان الذى مرت به السنوات الطوال، فيستكثر على نفسه الحب. خاصة أن الحبيبة جميلة يصفها بقوله المبدع: “ما أجمل نور الفجر المشرق من جبينك… شفتاك تجتمع فيهما كل لغات الكون المنطوقة والمرسومة والمحسوسة، وكل ملذات الدنيا، وكل لهيب الحب المستعر شوقا في قلوب العذارى”. وكأنه يبحر في أسفاره في خضم شعور عاتٍ بالضعف أمام سطوة الجمال ”نسمة حنون تداعب شعر الصبايا، وتنشر عطر الرياحين والياسمين في فصل الربيع”.
والحب في فلسفة “محروس عامر” كأنه “وحدة العالم” عند ابن عربى، أو انعكاس “الطاقة الصادرة من الكون الحقيقى، والموجود الأوحد الذى هو نور السماوات والأرض”
وهذا تصور صوفى يستشف مكامن الحب في أعماق شاعر أديب. وتقنية الحوار بادية في أسفار “محروس عامر” التى تصور همس الحبيبة تطمئنه وتخفف من حيرته في الحب، معلنة أنها تجد فيه نور الشمس، وما تصبو إليه من احتواء، وترى فيه ما تخفى مرآته. هذه لوحة فنية بديعة للسفر الأول من الكتاب تصدر عن فنان فيلسوف مثقف أديب يعرف آليات عمله الفنى. وعلى هذا النسق الفنى تمضى أسفار الحب الأخرى، وكأنها رحلة سفر متعطش لألوان الحب التى تملأ النفس ألقا وأرقا، وتوترا واطمئنانا، ومشاعر متجادلة متناقضة بين عذاب الحب وعذوبته. يتضح ذلك في السفر الثانى بعنوان “تناقض”، وفيه إلى جانب مفارقته طابع قصصى كما هو في أسفار الكتاب الأخرى، ففى الحقيقة نجد الكون يسير رغم متناقضاته.
وفى عينى الحبيبة “يتوقف الشعور بالزمان والمكان، وتتعطل الحدود بين الممكن والمحال”. وتغلب على “أسفار” الكتاب ثقافة علمية، خاصة الهندسية بحكم دراسة الدكتور/ “محروس عامر”. وتترى المتناقضات في هذه المعزوفة الأدبية في قول الكاتب: “أراكِ الحلم الذى تهفو روحى إليه، وأحيانا أريدك الحقيقة التى أمارسها كل يوم… أنتِ حبيبتى، معصيتى؟؟ وأنتِ إيمانى وهدايتى”. ومما يلاحظ فى أسلوب كاتبنا دقة ملاحظته لمشاهد الطبيعة، وانعكاس مشاعره عليها، كما يقول: “ألاحظ حبات الرمل تنفصل.. أراها تتراقص، تستشعر حريتها تجرى مسرعة إلى أحضان البحر تاركة الشاطئ والصخرة متحدة مع مَن تحب”. ثم يقول: “إن حبيبها البحر، الهادئ الحنون، والصاخب العنيف، كعينيك. فعيناك بحر بكل ثنائياته وكل تناقضاته، وأنا ازداد كل يوم شوقا إليك، وبعدا عنك”. هذه هى الثنائيات المتناقضة التى تؤجج نار الحب فى قلب الأديب.
ونرى فى كل سفر من أسفار الحب فى الكتاب مقدمة بديعة تتناغم مع إشراق الطبيعة، وشجون الحب، كما فى السفر الثالث بعنوان “ذكرى لا تموت”. والكاتب يتطلع إلى حب جارف يكسر قوانين الطبيعة، ويحن فى عيد الحب إلى ذكريات الحب يرسمها داخل صدر الحبيبة “قمرا بازغا، وشجرة زيتون، وقلبا فوق الشاطئ المطرز بضوء القمر” فى أجواء شاحبة حزينة، وعودة للحزن القديم.
واللقاء رومانسى فى أجواء الطبيعة فى مطلع السفر الرابع بعنوان: “غدا سنلتقى”: “على شاطئ البحر… فوق الصخرة… فى ضوء القمر” حيث الحب هو المستقر، و”المأوى والمنتهى لأحلام العمر”، والفرحة بنشوة اللقاء. “الحب” هو إجابة الأسئلة الحائرة عنه، هو “علة دوران الكون، واخضرار الزرع فى الحقول، وألوان الزهر، وزقزقة العصافير”، أو يمكن القول إن الحب هو الحياة.
ويناجى الكاتب “الوردة الحمراء” ويبثها الوجد والشوق لحبيبته التى تشبهها فى السفر الخامس: “تمرد”. يريد أن ينجو من أشواك الحب، فلا يستطيع.
وفى السفر السادس : “اعتراف” مناجاة للحب، وللقلب الظمآن المشتاق إليه بعد غياب طال من محبوبة أشعلت غيرته على غير ما كان لا يعترف به. لقد أدرك أن الغيرة ملازمة للعشق.
وعنوان السفر السابع: “هل تحبنى” يعكس ما تردد فى نفس الكاتب من شكوك الحب وتساؤلاته التى تقض مضاجع المحبين.
إنها الحبيبة “مشرقة مضيئة، تتلألأ حين تضحك فتضئ الكون، وحين تسكن ينام الليل على شعرها”، فتثير التساؤلات فى نفس العاشق الذى يشبه غريقا يتشبث بالحب طوق نجاة. وتتراوح مشاعر الكاتب بين الاعتزاز بقدرته على التأثير على الحبيبة، وبين ضعفه أمامها، وصعوبة الانفكاك من أسر حبها. وفى واقع يسيطر عليه الإحباط من شرور مَن يحسدون الناجحين، يبحث الكاتب فى سفره الثامن بعنوان: “فقدان الشغف” عن السلام النفسى والإنسانى منعزلا عن هذا الواقع الأليم. والعنوان دال على هذا الشعور القاتم.
و”محروس عامر” يستبطن النفس البشرية فى أسفاره، ويجيد التعبير عن حالاتها المختلفة. وهو فى رحلة حب باحث عن عالم “يكسوه الحب والسلام، وتملؤه الرأفة”. والصدق عنوانه فى الحب إذا وعد بالوصل أو بالهجر. وهو فى هذا “السفر” يعزف لحنا شجيا فى الفراق للحبيبة جراء إحباطاته، وهى تثنيه عن ذلك. والسفر التاسع عنوانه: “أدركت الحقيقة” إقرار لحقيقة الحب يسرى فى كيان الإنسان.
ويتناول “محروس عامر” حقيقة الحب تناولا فلسفيا “رحلة وقودها العقل وبوصلتها العشق المترفع عن طلبات الحس”. إنه الحب الصوفى فى اتحاد المحب بمحبوبه.
ونور القمر من عينى الحبيبة نور لظلام حيرة الفيلسوف العاشق، الباحث عن ماهية الحب، وإدراك حقائقه. وأعلى مراحل الحب الحقيقة “التى تؤدى بنا إلى إدراك الحق الأعظم الذى هو الحق الأوحد، والوجود الأول الذى ترجع إليه الحقائق”.
وتلك رؤية صوفية وجدانية فلسفية فى الحب الإلهى. ويتابع “محروس عامر” أسئلة الموت بمناسبة زيارة مليئة بالحزن والشجون لقبر أمه وأبيه وأقاربه. وينتظر العودة إلى الحب الذى يسليه فى سفره العاشر: “سنبقى معا”.
أما السفر الحادى عشر: “أعلنت الحب” فنظرة فى أفق البحر والقمر ونظرة كذلك إلى الحياة يزداد التمسك بها كلما تقدم بنا العمر.
وفى الأسفار “تيمة” هى العيون الجميلة التى تستثير القلوب والمشاعر، و”لفائف التبغ” التى ينفثها “الكاتب” متأملا دخانها طائرا فى الفضاء، مفتقدا لها عندما منعه الطبيب عنها فى مرضه.
إن تجربة المرض فرصة لاختبار المشاعر، ومراجعة صفحات الحياة، والحاجة إلى دعم المحبين ليؤنسوا الوحدة.
ويتأمل الكاتب الحب بين سعادة اللقاء والحرمان منه، ويتمنى أن يملأ الحب العالم نبضا وحياة.
وفى السفر الثانى عشر بعنوان: “ويبقى الوجع” تأمل فى وجوه الناس فى الشوارع باحثين عن أنفسهم فى عناء من وجع العمر بحثا عن مأوى يريح النفس، ويبهج الروح.
لقد سابقنا الزمن “وشاهدنا أحلامنا من خلف الأفق باكية”، ويمتد “الوجع” إلى “بغداد” و”سوريا” و”اليمن” وغيرها، “غيمة تحجب نور القمر عن أرض كانت يوما مكسوة بالقمح والياسمين”.
وفى سفر “فاصل ونواصل”، وهو الثالث عشر، والأخير يراجع الكاتب مشروعاته، ونشر كتابه فى صحبة تعد “تيمة” أخرى فى أسفاره وهى شرفة منزله، مسرح تأملاته.
ويرى “محروس عامر” أن التأليف يجب أن يضيف شيئا ليكتسب أهميته وفقا لاتجاهه الفكرى وخلفيته الثقافية، وهنا نرى جانبا من “السيرة الذاتية” للمؤلف متبدية فى هذا السفر من خلال حواره مع زوجته التى أهدى إليها هذا الكتاب.
كما لم تخل أسفاره الأخرى من رؤاه التى تمثل شخصيته، كما مثلت سيرته الذاتية.
وبعد، فالكتاب لوحات تصويرية قصصية للحب ملهما للعقل والقلب، داعيا إلى اكتشاف النفس والوجود، واستلهام الأحاسيس والمشاعر من خلاله
ملف اللاجئين فى مصر قنبله موقوته - جريدة كنوز عربية اي.جي
26th أبريل 2024[…] فى مصر قنبله موقوته حسن لهله بعد ان قامت ثورات مايسمي الربيع العربي التي كانت سبب في ضياع دول وتكالب الدول الغربيه لنهب […]