الحج أسراره وآثاره
بقلم: القاسم محمد جعفر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين. سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين وبعد.
أحبتي في الله إن الحج فريضة متميزة. وعبادة تجمع بين الروح والجسد حقيقته القصد ونيته الإحرام .وزاده التقوي ونهجه لا رفث. ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله .
ولن يبلغ الناس منازله إلا إذا أحسنوا الوسيلة. إليه من حلال
أخرج الطَّبَرَانِيّ. فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. إِذا خرج الْحَاج حَاجا بِنَفَقَة طيبَة وَوضع رجله فِي الغرز فَنَادَى: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك. ناداه مُنَاد من السَّمَاء لبيْك وَسَعْديك زادك حَلَال .وراحلتك حَلَال وحجك مبرور غير مأزور وَإِذا خرج بِالنَّفَقَةِ الخبيثة. فَوضع رجله فِي الغرز فَنَادَى: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك ناداه مُنَاد من السَّمَاء. لَا لبيْك وَلَا سعديك زادك حرَام ونفقتك حرَام .وحجك مأزور غير مبرور).
لذالك كان التعبير عن مناسك الحج في القرآن الكريم. دائماً بكلمة الذكر التي توحي بالتقوي والنقاء.
قال تعالي (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا).
فسمي المرور بالمشعر الحرام ذكرا. وسمي طواف الوداع ذكرا كما سمي رمي الجمرات ذكرا قال تعالي .(وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
وسمي نسك الذبح ذكرا قال تعالي. (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
القارئ الكريم قد يبدو لبعض الناس أن الحج عبادة رمزية غير معقولة المعني ولا ظاهرة الحكمة وأن ما يقوم به الإنسان من أعمال إنما هو الامتثال لأمر الله تعالي وإظهار العبودية له جل جلاله ولكن حينما نتأمل في هذه المناسك المقررة نجد الفتوحات والأسرار منها النفسية والخلقية والاجتماعية واضحة.الحج أسراره وآثاره
الأسرار النفسية
فأما الأسرار النفسية فإن شعائر الحج تثير في نفس المؤمن الذكريات . اذ انها تذكرنا بالواقع التاريخي لأبي الأنبياء سيدنا ابراهيم عليه وعلي نبينا أفضل الصلاة والسلام
سيدنا ابراهيم هو من رفع قواعد البيت ومعه ولده سيدنا اسماعيل عليهم الصلاة والسلام قال تعالي (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
هذا البيت.
اول بيت وضع في الأرض لعبادة الله رب العالمين قال تعالي (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)
النفس تهفو إلي مصدر اشعاعها الأول وتحن اليه ولقد جاشت نفس سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وانفعلت بهذه الذكريات فبكي عند الكعبة المشرفة وهو يقول (يا عمر هنا تُسكبُ العبرات)
آثار الحج الخلقية
أما آثار الحج الخلقية فإن الحج عبارة عن رحلة ودورة تدريبية عملية علي مجاهد النفس من أجل الوصول الي المثل الأعلى والوصول الى حياة روحية خالصة تمتلئ فيها القلوب بحب الله تعالي وسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وتنطلق الحناجر بالثناء علي الله تعالي هاتفة
لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ
يرتدي المرء ملابس الاحرام المجردة من مظاهر الزينة وكل ما يثير في النفس دواعي العجب ويسير علي المنهج الالهي في رحلته ويداوم عليه بعد العود قال تعالي (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)
فاذا كان الحاج كذالك رجع من حجه كيوم ولدته أمه قال صلي الله عليه وسلم( من حج لله فَلم يرْفث وَلم يفسق رَجَعَ من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه)
آثار الحج الاجتماعية
أما آثار الحج الاجتماعية فإن الحج رحلة يتجمع فيها أكبر عدد من أفراد الأمة الاسلامية ليشهدوا المنافع التي تعود عليهم بالخير والبركات والمنافع كثيرة وكثيرة منها المنافع الروحية والمنافع الاقتصادية والمنافع السياسية قال تعالى
(وَأَذِّن فِی ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ یَأۡتُوكَ رِجَالࣰا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرࣲ یَأۡتِینَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِیقࣲ * لِّیَشۡهَدُوا۟ مَنَـٰفِعَ لَهُمۡ)الحج أسراره وآثاره
واعظم من ذلك مغفرة الله ورضوانه والفوز بالجنة قال صلي الله عليه وسلم ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)
يارب انا نتوسل بك إليك وبحبك لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وآل بيته الكرام ان تكتب لي حج بيتك الحرام وزيارة حبيبك سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم.
هذا والله ولي التوفيق والهادي الي سواء السبيل